تعد أسواق وقيساريات العطارين والحفاري ودرب السلطان بالدار البيضاء، التي تحولت إلى ما يشبه خلايا نحل، أولى وجهات ربات الأسر للحصول على لوازم رمضان مثلما هو الأمر أيضا عندما يقترب عيد الأضحى.
وإذا كانت التوابل التي تباع في هذه الأسواق بمناسبة هذا الشهر الفضيل، مثل القزبر والكرويا والقرفة، تعرض على الزبائن وهي مطحونة بدقة وقابلة للاستعمال، فإن الحاذقات من ربات الأسر يفضلن شراء هذه التوابل ، التي تدخل في إعداد الشربة أو "الحريرة"، وهي لا تزال مواد خام.
فهؤلاء النسوة يردن بذلك الحفاظ على جودة هذه التوابل من خلال تنقيتها بأنفسهن وطحنها للمحافظة على جودتها وطراوتها لمدة أطول، وهن في ذلك لا يتسرعن وإنما يأخذن وقتهن في اختيار أفضل ما في السوق بسعر مناسب.
تقول السيدة زهور، وهي واحدة من زبائن دكان الحاج لحسن، "إنه لمتعب الطواف على الباعة، لكن بعد شراء مواد ذات جودة وبكمية كافية لشهر رمضان سنتمكن من توفير بعض النقود مقارنة مع شرائها لدى عطار الحي".
بسرعة لف الحاج لحسن بضاعة زهور وأنجز الحساب بذاكرته وقدمها لزبونته التي أدت الثمن في ما يشبه نوعا من الرضا، وتفضل هذه الأخيرة طحن هذه التوابل على الطريقة التقليدية بالمهراز، الذي ورثته عن والدتها حتى لا يضيع من تلك المواد عطرها.
وعند باعة الفواكه الجافة، تعرض هذه المواد في أكياس كبيرة أمام الدكان، ومنها اللوز والزبيب والبرقوق والمشمش المجفف وعلب التمر والتين ، ولا تقف النساء عند هذه الدكاكين فقط، وإنما يمددن الخطى أيضا في الأرصفة المزدحمة لشارع محمد السادس إلى غاية "رحبة الزرع" لاقتناء لوازم "الحريرة" من الحمص والعدس وبعض الحبوب الأخرى.
لكن شهر رمضان ليس فقط مناسبة لرواج التوابل والفواكه الجافة والحبوب، وإنما هو فرصة أيضا لبيع مواد ومنتوجات أخرى تحفل بها الأسواق والدكاكين كالأواني المنزلية، مثل الصحون والملاعق وخاصة المصنوعة من الخشب (المغارف).
وبينما تقتني بعض النساء هذه الأواني لتلبية حاجيات الضيوف الذين يحلون على الأسر في زيارات متبادلة بمناسبة هذا الشهر، تقتنيها أخريات بسبب توفرها بأشكال جديدة وأسعار مناسبة أو مخفضة.
وعلى غرار باقي المدن المغربية تتحول كثير من المحلات والدكاكين بالدا رالبيضاء خلال هذا الشهر المبارك إلى ورشات لإعداد الحلويات "الشباكية" و البريوات ، وتحضير أنواع من الفطائر والمعجنات ك"البغرير" و"المسمن" و"الرغايف" التي تؤثث موائد الإفطار الرمضانية .
والأكيد أن شهر رمضان يتميز بزيادة الاستهلاك والتزايد المفرط في التبضع والتهافت على اقتناء منتوجات معينة خاصة الغذائية منها ، فللشهر الفضيل عاداته وتقاليده وطقوسه، تجسده الأجواء الروحانية التي تنعكس على معاملات الناس وعلاقاتهم ، لتجعله شهرا متميزا ومتفردا عن باقي شهور السنة.