طوال شهر رمضان الكريم، تقترح عليكم هسبريس التعرّف على مسارات شباب مغربي مبدع في مختلف المجالات، سواء أولئك الذين بلغوا من الشهرة عتيا، أو أولئك الذين يعملون في الظل غير آبهين بأضواء النجومية. وذلك من خلال الكتابة عن مساراتهم وإجراء دردشات قصيرة معهم تقدم بعض الومضات الخاصة بهم.
ابن مدينة خريبكة البالغ من العمر 33 سنة، أبى إلاّ وأن يحطم جدران صمت العمال في سكافاتي بالجنوب الإيطالي، طُرد من عمله نتيجة نشاطه الحقوقي، ولم يخترْ البحث عن عمل آخر ولا العودة إلى المغرب بخفي حنين كما فعل الكثيرون ولا حتّى الانغماس في الممارسات غير المشروعة التي تدّر المال الغدير هناك. بمستوى دراسي هو شهادة التقني العالي في الصيانة الصناعية، وبدافع العيش بكرامة، يصنع يوسف قصة مغربية مغايرة في أراضي المهجر.
مسار يوسف البياضي مختلف تماماً عن باقي الشباب الذي استضفناهم في هذا الركن، فمنذ أزيد من ستة أشهر وهو يواجه أباطرة شركة شحن وسيط معروفة بتشغيلها للعمال الأجانب، والسبب ضيقه ذرعاً بالأساليب "الملتوية" التي تقوم بها هذه الشركة، خاصة وأنها أقدمت على خفض أجور مئات العمال مباشرة بعد الأزمة الاقتصادية، لعلمها أن لا بديل ينتظرهم غير البطالة !
يقول يوسف إنه حاول تكوين نقابة مصغرة للعمال الأجانب من أجل مواجهة ما تقوم به هذه الشركة، غير أن خوف العمال من ردة فعل قاسية من طرف الإدارة تعجّل بطردهم، جعلهم لا يقبلون بأخذ أي مبادرة حقوقية، ليقرّر يوسف دخول المعترك لوحده، حيثُ راسل الإدارة العامة للشركة الأم شهر دجنبر الماضي بتقرير مُفصل يحتوي على كل الانتهاكات الواقعة.
غير أن اللقاء مع مدير الشركة الوسيط لم يكن كما أراد، فقد اقترح عليه بداية أن يرفع من أجره وأن يتم التصريح به قانونياً كعامل في الأراضي الإيطالية بعد ستِ سنوات من العمل بشكل غير نظامي، إلاّ أن يوسف اشترط أن يتم تعويضه عن كل هذه السنوات التي استغِلَ فيها، وهو ما لم يقبله المدير، ووِفق حديث يوسف لهسبريس، فقد هدّده المدير بالتصفية الجسدية إن لم يتراجع عن أقواله في التقرير.
ويضيف يوسف أنه اتصل بالشرطة كي يطلب منها حمايته من طرف هذه الإدارة التي تستخدم أصحاب السوابق الإجرامية لترهيب العمال حسب وصفه، وأن المدير اتهمه أمامها بأنه إسلامي إرهابي، يبتز الشركة من أجل أن تدفع له أكثر، دون أن تقوم الشرطة بأي إجراء.
استمرت التهديدات بعد ذلك، وتوصّل يوسف عن طريق صديق له برسالة من أحد المعروفين بإجرامهم في المدينة يخيّره بين سحب التقرير أو التصفية، ليطلب يوسف خدمات محامية كي تدافع عنه أمام هذه الشركة التي قرّرت طرده من عمله بصفة نهائية تحت مبرر الابتزاز، غير أن المحامية بدورها تراجعت عن الدفاع عنه بعد ذلك لأسباب يجهلها.
قام يوسف خلال الأيام الأخيرة بمراسلة عدد من التنظيمات الحقوقية بإيطاليا منها النقابة الإيطالية للشغل "CISL"، كما راسل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، ومحكمة العدل والأوربية. وقد حدّد موعداً مع الأولى في الأيام القليلة المقبلة، أما الثانية فقد أجابته بضرورة الاستعانة بمحامي.
ويظهر أن تصميم يوسف على متابعة مساره النضالي بالأراضي الإيطالية أمر واضح:" لا أخاف الموت ولا اعتداءات بعض العصابات في تلك المدينة، فقد قررتُ كسر صمت العمال، ومهما كانت النتائج، فأنا مستعد لها" يستطرد في تصريحاته لهسبريس.