في خضمّ النقاش العمومي الدائر حول الأعطاب التي تعاني منها المنظومة التربوية في المغرب، وسُبلِ إصلاحها، وفي الوقت الذي يحتلّ المغرب مراتب متدنّية على سُلّم جودة التعليم، دعَا المفكّر، والناطق الرسمي السابق باسم القصر الملكي، حسن أوريد، إلى التحلّي بالواقعية، وعدم إغفال أنّ عمليّة إصلاح المنظومة التربوية، لن تتحقّق بين عشية وضحاها.
وضربَ أوريد، خلال مداخلة له في ندوة نظمتها "جمعية جسور الحوار"، مساء الجمعة بالرباط، حول موضوع "رهاناتُ إصلاح المنظومة التربوية: واقع وآفاق"، ، (ضرب) مثلا بتجارب عدد من الدول المتقدمة، قائلا إنّ التجارب التي انتهجتها تلك الدول أبانتْ أنّها لم تصل إلى منظومة تربوية جيّدة إلا بعد مسار طويل من الإصلاح.
واستدلّ أوريد بالنموذج الفرنسي، موضحا أنّ إصلاح المنظومة التربوية الفرنسية عرفت، خلال القرن التاسع عشر، مسارا طَبَعه مدّ وجزْر وبحْث وتلمّس، "لِذا، فإذا كانت الطموحات كبيرةً، ينبغي كذلك أن نكون واقعيين"، يقول أوريد، غيرَ أنّه استدرك أنّ مسألة الإصلاح، وإن كانت تتطلّبُ زمناً، "إلا أنّ هذا لا يُعفينا من الانطلاق".
وعادَ مؤرّخ المملكة السابق، إلى بدايات استقلال المغرب، وعقَد مُقارنة بين الرعيل الأوّل، وبين "مُصلحي" اليوم، قائلا "الرعيل الأوّل كان له مشروع مجتمعي ورؤية واضحة للدّور الذي يجب أن تلعبه المدرسة المغربية، وإنْ لم تتوفّر له الإمكانيات المُتاحة اليوم"، وأضاف "عملية الإصلاح يجب أن تُبنى على معرفة الوجهة التي نريد بلوغها، ورؤيةً واضحة عن المجتمع الذي نريد".
وفي تعبيرٍ عن رفْضِ استيراد نماذج الإصلاح الأجنبية، شبّه أوريد إصلاح المنظومة التربوية باستيراد حافلة من الخارج، يقودها سائق وبجانبه ميكانيكي يعرف جيّدا قِطع محرك الحافلة، ولكنه ليس بالضرورة أن يعرف السياقة والوجهة التي تقصدها الحافلة، بيْنما يجب على السائق أن يُتقن السياقة، ويعرف الوجهة التي يريدُ بلوغها.
وأضاف أوريد، في تلميحٍ لمطالب دُعاة استيراد النماذج الأجنبية، أنه لا يُمكن استيراد حافلة وتشغيلها في أرضية غير سالكة، "وإذا استوردنا سيّارة فيراري إلى أرضية لا توجد بها طريق سالكة، فلن تتقدّم أبدا"، قبل أن ينتقل من التلميح إلى الرسائل المباشرة، قائلا "لا يمكن للإصلاح أن يأتي من الخارج، قد نستفيد من تقنيات، لكن لا يمكن بتاتا تصوّر منظومة تربوية من دون قِيَم وطنية، ولا يمكن أن تتطوّر المنظومة التربوية إذا لم ينْبُع الإصلاح من الداخل، من خلال أبناء البلد".
وفي الوقت الذي قال أوريد، إنّ هناك نُخبا قادرة على التأسيس للإصلاح، "شرط أن تتوفّر لها الإمكانيات"، انتقد "بعض الأشخاص الذين تتمّ استشارتهم حول إصلاح المنظومة التربوية، واعتُبروا من الخبراء، رغم أنهم يهرفون ما لا يعرفون"، دون أنْ يسميهم بالاسم، قائلا "لستُ مقتنعا بكفاءتهم العلمية، ولا بمدى معرفتهم بقضايانا، ولا، وهذا هو الأهمّ، بغيرتهم وتشبّعهم بما ينبغي أن يكون حافزا لعملية الإصلاح".
وحدّد المتحدث الأساسَ الذي يجبُ أنْ تُبنى عليه عملية إصلاح المنظومة التربوية في تشخيص واقع الحال، أولا، من أجل الوقوف عند الأدواء التي تعاني منها المنظومة، وتشخيص مواطن الاختلالات، ووضع إستراتيجية تحدّد الغاية من التغيير، والهدف المنشود الذي يجب أن تبلغه عملية الإصلاح.
واعتبر أوريد أنّ منظومة القيَم تعتبر من أهمّ الأسُس التي يجب أن تُبنى عليها عملية إصلاح المنظومة التربوية، "ففي المدرسة يسمع التلاميذ أنّ من جدّ وجد، ومن زرع حصد، لكنّ الواقع يقول إنّ من يحصد ليس بالضرورة أن يزرع، وأنّ الذين ينجحون ليس بالضرورة أن يكونوا مُجدّين"، يقول أوريد، وأضاف "منظومة القِيَم عندنا معطوبة".
وبخصوص مسألة اللغة التي يجب التدريس بها، اعتبر أوريد أنّ "اللغة قضية حسّاسة ودقيقة"، وزادَ أنّ التعريب الذي يتمّ الحديث عنه ليس تعريبا، بلْ ترجمةً حرفيّة ترْجمتِ الكلمات، حرفيّا، لكنّها لم تُترجم المعنى، وضرب مثلا بترجمة عدد من الكلمات والعبارات من اللغة الفرنسية إلى العربية، والتي لا يُمكن فهمها، من طرف شخص يتقن العربية، إذا لم يكن يتقن اللغة الفرنسية التي تُرْجمتْ منها.
ودافع حسن أوريد عن اللغة الفرنسية، التي سبق أن قال، في مناسبة سابقة، "إنّ النقاش حول من معها ومن ضدّها نقاش مغلوط"، إذْ قال إنّ اللغة الفرنسية لها وضع، "فإذا كان ابني سيدرس الطبّ، فلا بدّ أن يكون ملمّا باللغة الفرنسية، وهناك مغاربةٌ يتكلمون بها"، داعيا إلى التفكير المتأنّي فيما يتعلق بقضية اللغة، وعدم معالجتها من زاوية إيديولوجية.