(1) المقصود بالغيب كل الأمور الغيبية التي لا تدرك الحواس ولا سبيل لمعرفتها الا بما أخبر به الله واخبر به رسوله ، وابرزها اركان الايمان الستة ، واهم الغيبيات التي يجب الإيمان بها: الإيمان بالله والدار الآخرة.
قال تعالى ((ذلك الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة)).
(2) المطلوب هو الإيمان بالغيب وليس بالمشاهدة.
أمة بني إسرائيل لاتؤمن إلا بالمشاهدات، فلقد رأوا معجزة العصى والجراد والقمل والضفادع والدم والطوفان وانشقاق البحر وهلاك فرعون فقالوا: ((اجعل لنا إلها كما لهم آله)) ثم عبدوا العجل، فتركوا الإله الغيبي سبحانه واستبدلوه باطلا بآلهة مشاهدة،،،
وبعد أن أنزل الله عليهم المن والسلوى وظلل عليهم الغمام ونتق الجبل فوقهم قالوا لموسى: ((لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة)) أي حتى يكون الله مشاهدا ، لكن الله خص أمة محمد فجعلها أمة الإيمان بالغيبيات.
(3) بسبب أن الكفار لايؤمنون إلا بالمشاهدة صارت عقيدتهم هي تعظيم الدنيا وحب الدنيا والتوجه إلى المخلوق.
(4) ضعف الايمان بالله يجعل الانسان يلجأ الى الاسباب والمشاهدات والمخلوقات حتى يعظمها ويعبدها من دون الله، بل إن من الناس من عبد أمواتا لم يملكوا لأنفسهم حياة،،
وضعف الإيمان بالموت سبب طول الأمل والتسويف بالتوبة،،
وضعف الإيمان بالدار الآخرة سبب الجرأة على المعاصي والتهافت على الدنيا وقلة النشاط في العبادة.
(5) إذا ضعف الإيمان بالغيب تلقائيا يقوى الإيمان بالمشاهدة واليقين على الاسباب،،،
وبسبب هذا فإن الإنسان إذا حزبته حاجة هرع إلى الأسباب تلو الأسباب، فإذا فشلت كلها التجأ إلى الله في نهاية المطاف،،،
أما المؤمن بالله فإنه مباشرة يلجأ إلى الله بالدعاء والصالحات مترافقا مع الأخذ بالأسباب الشرعية.
(6) وبسبب تعلق الإنسان بالمشاهدات والأسباب الدنيوية (المال ، الجاه...) فإن القلوب عظمتها أكثر من تعظيم الخالق ، وصار الإنسان يترك الوسائل إلى الله (دعاء وعبادة ......) ويتجه إلى كافة الوسائل التي توصله إلى الأسباب الدنيوية سواء كانت وسائل حلال أم حرام.
(7) الإيمان بالغيب هو بستان الصدور وجنة الدنيا ، ومن لم يدخل جنة الدنيا فلن يدخل جنة الآخرة.
(8) يمكن للإيمان أن ينمو في النفس من العمل الصالح القليل فيكون كبذرة التمر التي لا أسهل من حملها، تنمو شيئا فشيئا حتى تصبح نخلة لايزحزحها العدد الكبير من الرجال.
(9) اذا زاد الإيمان بالغيب صار يقينا ، واليقين هو أعلى درجات الإيمان...
وعلى سبيل المثال رجل يمشي في الصحراء وقد اضناه العطش فوجد رجلا فسأله عن الماء فقال له أن وراء ذلك الجبل بئر ماء، ثم سأل رجلا آخر فقال له كما قال السابق حتى سأل عشرة كلهم يقول أن وراء الجبل بئر ماء، فإنه بعدما سمع من عشرة رجال صار عنده علم يقين أن وراء ذلك الجبل ماء مع انه لم يره بعد، وهذا هو اليقين النافع المطلوب، أما إذا وصل إلى البئر ورآه بحواسه صار عين اليقين، وهذا لايتاح لكل أحد.
(11) حتى يقوى الإيمان بالغيب يجب أن يكثر ذكره، فإن عدم ذكر الغيب لايزيده إلا غيبا، أما كثرة ذكر الغيب تجعله يقينا، كما قال عامر بن عبد القيس رضي الله عنه : لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً، وقول علي رضي الله عنه: لو رأيت الجنة والنار ما ازددت يقيناً، لأني رأيتهما بعيني رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(12) الذكر والدعاء: فإنهما اذا اجتمعا مع قلب حاضر فلابد ان يؤديا إلى تقوية الإيمان.
(13) من أقوى سبل تقوية الإيمان كثرة تلاوة القرآن ، فإن أغلب القرآن هو ذكر للغيبيات ومواقف الأعلام والأمم منها.
(14) لاإيمان بلا علم من مصادر الشريعة التي ارتضاها الله (الكتاب والسنة)، بل ان من اعتقد ان الإيمان يمكن ان يحدث بلا علم فقد استحوذت عليه الشياطين، فإن اليهود عندهم إيمان بالله ولكن بغير مراد الله فهم يؤمنون بأن الله ضعيف وفقير وبخيل، ويؤمن النصارى بأن الله له زوجة وولد ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
(15) مجاهدة النفس على العمل الصالح، فإن المجاهدة سبيل المشاهدة ، وكلما كان العمل شاق على النفس كان أقوى في ترقية الإيمان.
(16) البذل لله ، فإن ما تنفق عليه يتعلق قلبك به ويتجه يقينك إليه ، فإذا كان المال في جيبك فمعك معية المخلوق، أما إذا أنفقته لله فمعك معية الخالق.
(17)وعموما كل عمل صالح يزيد الإيمان ، ولكنها متفاوتة في تأثيرها ، وكل معصية تنقص الإيمان وهي أيضا متفاوتة التأثير.