الحمد لله الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى، الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد، الحمد لله الحق المبين الذي هو على كل شيء قدير، وأشهد أن لا إله إلا الله والصلاة والسلام على من بعثه الله بشيراً ونذيراً للعالمين نبينا وحبيبنا محمد، وعلى آله وصحابته الغر الميامين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين...أما بعد:
فالقلب مصدر السعادة والشقاء للإنسان، فإن احتوى على نفس مطمئنة ومؤمنة بلقاء الله وبجنته وناره فصاحبه من السعداء، وإن احتوى على نفس أمارة بالسوء وتدفع للمعاصي والذنوب والفواحش فصاحبه من الأشقياء ـ عياذاً بالله من ذلك ـ فإذا صلح القلب صلح سائر الجسد واستبشر صاحبه بالخير والنور، وكان من أهل الخير والسرور فهو في الدنيا بصير العين والقلب، ذو بصيرة ونضر ثاقب، يراقب الله - عز وجل - في السر والعلانية، يرجو رحمة الله، ويخشى عذابه، تتوق نفسه للقاء الله - عز وجل -، ليجد ما أعد الله له من النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول، فهو من السعداء في الدنيا وفي القبر وفي الآخرة، علم حدود الله فوقف عندها ولم يتعداها ويتخطاها إلى ما حرم الله بل التزم بما أمر الله به ورسوله - عليه الصلاة والسلام - فهو وقّاف عند حدود الله و محارمه يقوم بأوامر الله، ويجتنب نواهيه، فهنيئاً لهذا القلب المطمئن هنيئاً له بما أعد الله له من نعم لا تعد ولا تحصى، وهذا هو القلب السليم، أما القلب الأخر وهو القلب السقيم المريض فإنه قلب فاسد، وسيفسد سائر الجسد، فصاحبه ذو قلب مكبوب منكوس تغيرت فيه ملامح الفطرة التي فطر الله الناس عليها، فهو يدعو صاحبه إلى فعل الفواحش الظاهرة والباطنة لا يقف عند حدود الله، عرف محارم الله فارتكبها، واستوعب أوامر الله فتركها وانصرف عنها، استوثق بقفل الذنوب والمعاصي، وأغلق عليه وأحكم الغطاء، فهذا الجسد الذي احتوى هذا القلب فهو كالبيت الخرب، دمار ظاهره وباطنه، فصاحبه لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً، انكب على الشهوات والهوى، أعمى البصر والبصيرة، مطموس الفطرة والخلقة، اجترأ صاحبه على فعل كل فاحشه ورذيلة، وارتكاب كل معصية وخطيئة، لا يردعه رادع، ولا يمنعه مانع، فهو لم يطع الخالق - سبحانه -، بل تعدى حدوده، قال - تعالى -: {ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين} (النساء 14)، لا يمل ولا يفتر عن مشاهدة الأفلام الخليعة وسماع الأغاني الماجنة، لا يمل ولا يكل من العكوف على الدشوش وما فيها من هرج ومرج، وما فيها من بعد عن الله وأوامره، يفعل الفواحش غير آبه بما أعد الله له من العذاب والسعير في الدنيا وفي القبر وفي الآخرة فكيف بصاحب هذا القلب إذا احتوشته ملائكة العذاب، سود الوجوه أصواتهم كالرعد القاصف، كيف بهذا المسكين عندما يوضع في قبره ليس معه أنيس ولا جليس إلا عمله القبيح، كيف به في وحشة القبور والعذاب يأتيه من كل مكان فإنا لله وإنا إليه راجعون، كيف بهذا المخلوق إذا تشققت السماء بالغمام وتنزلت الملائكة الكرام وتطايرت الصحف فآخذ صحيفته باليمين وآخذ صحيفته بالشمال أو من وراء ظهره، كيف بهذا المسكين إذا قيل له {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً} (الإسراء14)، ماذا تفعل يا مسكين إذا ناداك الملائكة للحساب والعتاب، إذا نوديت أين فلان بن فلان تقدم للحساب؟ كيف ستقابل جبار السماوات والأرض وكل شيء محصى عنده {في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى} (طه52)، كيف بك أيها الغافل عندما تنطق وتشهد عليك جوارحك بكل ما فعلته وقلته، يقول- تبارك وتعالى -: {يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون} (النور24)، وقال - تعالى -: {ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون * حتى إذا ما جاءُوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون} (فصلت 19/20)، فأين المفر؟ وأين الملجأ؟ وأين المهرب؟ قال - تعالى -: {ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين} (الذاريات 50)، ماذا ستقول للخالق - سبحانه -؟ ماذا ستقول لعالم الخفيات، قال - تعالى -: {يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية} (الحاقة 18)، هذا القلب هو القلب المطموس بصيرته، المريض سريرته.
قيل أن لقمان دفع إليه سيده بشاة وقال اذبحها وائتني بأطيب ما فيها، فأتاه بالقلب واللسان، ثم بعد أيام أتاه بشاة أخرى وقال له اذبحها وائتني بأخبث ما فيها، فأتاه بالقلب واللسان، فسأله سيده عن ذلك، فقال: ما أطيبهما إذا طابا، وما أخبثهما إذا خبثا.
أسباب صلاح القلب:
1ـ قراءة القران بالتدبر والتفكر فيه، وفيما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
2ـ تقليل الأكل.
3ـ قيام الليل وإحياؤه بالعبادة.
4ـ الدعاء واغتنام أوقات الإجابة.
5ـ مجالسة الصالحين.
6ـ الصمت عما لا يعني.
7ـ الابتعاد عن أهل الفسق والمعاصي.
8ـ أكل الحلال والابتعاد عن أكل الحرام والمشتبه.
9ـ اجتناب المنكرات والملاهي.
10ـ اغتنام الأوقات بالنافع من الأقوال والأعمال.
11ـ الإكثار من الصيام، والتتابع بين الحج والعمرة.
12ـ الخلوة بالنفس ومحاسبتها.
13ـ العلم بأن الله مطلع على الأقوال والأعمال.
14ـ بر الوالدين.
15ـ زيارة القبور فإنها تذكر الآخرة.
16ـ الصدقة، وتفقد الفقراء والمساكين ومعرفة أحوالهم.
17ـ زيارة المرضى، ومن يعانون سكرات الموت.
18ـ المحافظة على الصلوات جمعة وجماعات.
19ـ التفكر في مخلوقات الله - تعالى -.
20ـ النظر في عواقب الظلمة والطغاة والمفسدين الذين قصهم القرآن، أو من نسمع عنهم في هذه الأزمان.
أسباب مرض القلب:
1ـ البعد عن الحق بعد معرفته، قال - تعالى -: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين} (الصف5).
2ـ أكل الحرام، فقد ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - [الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام وغذي بالحرام، فأنا يستجاب لذلك] (مسلم).
3ـ فعل المعاصي، فإن المعاصي تؤثر في القلوب، قال - تعالى -: {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} (المطففين14).
4ـ استماع المحرم من الكلام مثل الغناء وغيره، فالغناء صوت الشيطان، قال - تعالى -: {واستفزز من استطعت منهم بصوتك} (الإسراء64).
5ـ النظر المحرم، ومشاهدة الصور والأفلام الخليعة، والجلوس أمام الدشوش بالساعات الطويلة، لمشاهدة أفلام الرذيلة والله عزوجل يقول: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون * وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن} (النور30/31).
6ـ أصدقاء السوء، قال - تعالى -: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين} (الزخرف67).
7- الانجراف في تيار الحياة الغادرة، قال - صلى الله عليه وسلم -: [الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالماً ومتعلماً] (الترمذي وهو حديث حسن). وقال - عليه الصلاة والسلام -: [لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء] (الترمذي وقال حسن صحيح).
ومن أسباب فساد القلب ومرضه ضد ما ذكرنا في أسباب صلاح القلب سابقاً.
أهمية السلام والمصافحة وفضلهما:
لا يخفى عليك أخي الكريم أهمية السلام وأنه من سمات أهل هذا الدين الإسلامي الحنيف ولقد حث النبي - صلى الله عليه وسلم - على السلام والمصافحة لإزالة ما يعلق في النفوس من البغضاء والكراهية بين الناس وكلنا يعرف فضل السلام والمصافحة في تسوية النفوس وإزالة الخلاف الواقع بين الناس، وما يعود به من مردود إيجابي على الفرد والمجتمع، ولقد روى أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اله - صلى الله عليه وسلم -: [والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم] (صحيح انظر الإرواء 771).
وعن البراء بن عازب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [ما من مسلمين يلتقيان، فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا] (صحيح بن ماجة 3003).
الخاتمة:
ينبغي على المسلم الحق أن يتجنب هذه الصفات القبيحة والمحرمة شرعاً، والمنهي عنها، حتى يصبح مطمئن القلب، صافي المزاج، بعيداً عن الأهواء والوساوس والهواجيس، ينبغي على المؤمن الحق أن يترك بضائع الشيطان، لأنها بضائع خاسرة كاسدة، ولا يتعامل بها إلا أصحاب القلوب المريضة التعيسة، أصحاب القلوب الخربة المنكوسة.
قال - تعالى -: [إنما المؤمنون إخوة] (الحجرات10)، فالله الله أيها الأخوة أوصيكم بإخوانكم المسلمين أحسنوا إليهم ولينوا بأيديهم، وأحبوا لهم ما تحبونه لأنفسكم فالمؤمنون أخوة، ذبوا عنهم وردوا عن أعراضهم، وكونوا عباد الله إخواناً، فمن الظلم عباد الله أن يضر المسلم أخاه المسلم بحسد أو غيبة أو نميمة أو كذب أو سوء ظن أو كبر أو غير ذلك مما قد يضر بالمسلم، والظلم عباد الله من الأمور المحرمة والتي قد تصيب صاحبها بأضرار في الدنيا والآخرة، فالله عزوجل حرّم الظلم على نفسه وجعله بين الناس مُحرماً، فكيف أنت أيها المسكين تظلم عباد الله بتلك الأمور المحرمة، أنسيت أن لذلك المظلوم دعوة مستجابة لو دعا بها عليك ثم استجيبت لخسرت الخسران المبين، فإنه لا شفاء لأمراض القلوب إلا بالدواء الذي أنزله الله في كتابه وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، قال - تعالى -: {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور} (يونس57)، وقال - تعالى -: {ونُنَزِل من القران ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} (الإسراء82)، وقال - تعالى -: {قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء} (فصلت44).
فأقبلوا على كتاب الله وسنة رسوله لتداووا قلوبكم ففيهما الشفاء والرحمة، وفيهما الدواء والمودة، وفيهما النور والهداية، وفيهما الروح والحياة، وفيهما العصمة من الشيطان ووساوسه، وليأخذ كل منا بنفسه فيبعدها عن مواطن الفتن ويقطع عنها وسائل الشر، وكذلك أبعدوا أولادكم وبيوتكم عن وسائل الشر ودواعي الفساد إن كنتم تريدون الشفاء لقلوبكم والخير لمجتمعكم وأكثروا من هذا الدعاء الذي كان يدعو به النبي - صلى الله عليه وسلم - [يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك].
اللهم طهر قلوبنا من النفاق وأعمالنا من الرياء وألسنتنا من الكذب وأعيننا من الخيانة إنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، اللهم طهر مجتمعات المسلمين من كل فاحشة ورذيلة، اللهم ألف بين قلوب المسلمين وأصلح ذات بينهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.